الزواج مسألة تهم الجميع ..
ولكن تهم الشباب أكثر كما سنعرف الآن ..
وقد وجدت ظاهرة الزواج منذ خلق الله الانسان على وجه الأرض ..
فحاجة الزوج الى زوجة وبالعكس أمر فطري وغريزي لا ينكره أحد ..
ولولا الزواج والتزاوج لما استمر النوع البشري إلى الآن ولما تكاثر البشر ..
وباختصار فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأودع فيه غريزة معينة وأرشده إلى الطريقة السليمة لاشباعها ، وهذه الطريقة هي الزواج ، ولذا نرى أنه يوجد حث شديد وترغيب عظيم في النصوص الدينية على مسألة الزواج، يتضح بملاحظة المجموع الكلي لما ورد في شأن الزواج من القرآن الكريم والسنة الشريفة..
فمن القرآن الكريم ، نرى على سبيل المثال قوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة النور آية 32
وأما من لايستطيع على الزواج فعليه أن يصبر ويلزم الحذر ويلزم طريق العفة فلا يجعل شهواته تسيطر عليه فتجعله يسلك سبيل الرذيلة والفاحشة والعياذ بالله، قال تعالى :
{ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} سورة النور آية 33
وقال تعالى:
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} سورة الاسراء آية 32
ومن السنة الشريفة، سنذكر عدة روايات :
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: ( قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): تَزَوَّجُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) قَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَّبِعَ سُنَّتِي فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِيَ التَّزْوِيجَ). الكافي ج5 ص329.
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (ص) : تزوجوا وزوجوا ألا فمن حظ امرء مسلم إنفاق قيمة أيمة وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح وما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الاسلام بالفرقة – يعني الطلاق - ثم قال أبو عبد الله (ع) : إن الله عز وجل إنما وكد في الطلاق وكرر فيه القول من بغضه الفرقة . الكافي ج5 ص328
وعن أبي عبد الله (ع) قال : قال أمير المؤمنين (ع) : أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما . الكافي ج5 ص331
وعن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله (ع) قال : من زوج أعزبا كان ممن ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة . الكافي ج5 ص331
وعَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) : (رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا الْمُتَزَوِّجُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً يُصَلِّيهَا أَعْزَبُ). الكافي ج5 ص328.
وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع ( قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ص فَشَكَا إِلَيْه الْحَاجَةَ فَقَالَ تَزَوَّجْ فَتَزَوَّجَ فَوُسِّعَ عَلَيْه). الكافي ج5 ص330.
إلى غير ذلك من الروايات التي تحث على الزواج بشكل عام وترغب فيه .
ولا عجب في هذا الحث الشديد على الزواج فهو سبب رئيسي لحصول الانسان على الاطمئنان والراحة، والحياة السعيدة الهانئة، التي ملؤها التعاون والمحبة والعطف والرحمة ...
* ولكن حاجة الشاب والشابة الى الزواج أشد من غيرهما، فهما في أشد قواهما الجسمية والنفسية والعاطفية، والغريزة عندهما في أشد قوتها..
فاذا لم يحصن الشباب أنفسهم بالزواج يخشى عليهم من الانحراف وسلوك الطرق غير المشروعة لاشباع غرائزهم..
خصوصاً في مثل زماننا الذي كثرت فيه المغريات والأمور المثيرة للشهوات بطرق وأساليب كثيرة ومتنوعة ومبتذلة تستهدف شريحة الشباب بالخصوص، من قبيل مايبث في الافلام من مناظر خالعة ومثيرة، ومن قبيل الصور التي تنشر في المجلات والجرائد وشبهها، إضافة إلى انجبار الطلاب في كثير من المدارس على الدراسة المختلطة بين الجنسين ، أو انجبارهم على العمل في مكان واحد فيه اختلاط للجنسين، وغير ذلك من الأمور التي شئنا أم أبينا فانها تجعل شبابنا وشاباتنا أمام اختبار صعب ومنزلق خطير، سقط بسببه الكثيرون ممن لم يحصنوا أنفسهم بالزواج..
بعد الانتباه لهذه الأمور وشبهها لاينبغي أن نتعجب من تركيز الروايات بشكل خاص على مسألة زواج الشباب والشابات.
ومن هذه الروايات :
ما ورد أنه (ص) قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج ، [فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج] ومن لم يستطع فليدمن الصوم ، فإن له وجاء . مكارم الاخلاق ص 197
وما ورد أنه (ص) قال: أراذل موتاكم العزاب . مكارم الاخلاق ص 197
وورد أنه (ص) قال: يا معشر الشباب عليكم بالباه فإن لم تستطيعوه فعليكم بالصيام فإنه وجاؤه . الكافي ج4 ص180
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ لَا تَطْمَثَ ابْنَتُه فِي بَيْتِه . الكافي ج5 ص337
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْه إِلَّا عَلَّمَه نَبِيَّه (ص) فَكَانَ مِنْ تَعْلِيمِه إِيَّاه أَنَّه صَعِدَ الْمِنْبَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي عَنِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ فَقَالَ إِنَّ الأَبْكَارَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ إِذَا أَدْرَكَ ثَمَرُه فَلَمْ يُجْتَنَى أَفْسَدَتْه الشَّمْسُ ونَثَرَتْه الرِّيَاحُ وكَذَلِكَ الأَبْكَارُ إِذَا أَدْرَكْنَ مَا يُدْرِكُ النِّسَاءُ فَلَيْسَ لَهُنَّ دَوَاءٌ إِلَّا الْبُعُولَةُ وإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِنَّ الْفَسَادُ لأَنَّهُنَّ بَشَرٌ قَالَ فَقَامَ إِلَيْه رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه فَمَنْ نُزَوِّجُ فَقَالَ الأَكْفَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه ومَنِ الأَكْفَاءُ فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ . الكافي ج5 ص337 .
وقد رأينا كيف أن هذه الروايات وجهت خطابا بالخصوص إلى شريحة الشباب والشابات.
وفي بعضها تعليل سبب الحث على الإسراع في الزواج، من قبيل الرواية التي جاء فيها : (فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) ومن قبيل الرواية التي جاء فيها (وإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِنَّ الْفَسَادُ لأَنَّهُنَّ بَشَرٌ).
فإذا أردنا أن نأمن على أولادنا وبناتنا من الفساد فعلينا أن نحصنهم بالزواج، حتى لايأخذ بأيديهم الشيطان الى طريق الهاوية والى الشذوذ وسلوك الطريق غير الفطري وغير المشروع، خصوصا أن الأجواء في هذه الأيام مهيأة لكل أنواع الانحرافات، والتي لايقف خطرها على كونها معصية ومخالفة لله عز وجل، بل فيها من المخاطر الكثيرة ما لايخفى على كل من يعيش في هذا الزمن، وبعض هذه المخاطر هي عبارة عن أمراض ومشاكل نفسية وبعضها مشاكل وأمراض جسدية خطيرة بل ومعدية ومميتة.
والخلاصة علينا جميعا أن نعمل بسنة الرسول (ص) وهي سنة الزواج والاسراع فيه ، وعلينا أن نشجع الشباب والفتيات على العمل بهذه السنة ، ونعينهم على الزواج بأي طريقة نستطيع عليها ، حتى نكون ممن ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة ، كما قرأنا هذا الشيء في بعض الروايات التي نقلناها سابقاً.
تنبيه/
بعد أن رأينا هذه الروايات المتنوعة التي تشجع الشباب والشابات على الزواج نكتشف أن كثيرا من الآباء والأمهات على خطأ حينما يرفضون تزويج ابنائهم بحجة أنه لابد أن يكمل الدراسة أولاً!! فالمفروض أن الأب لايتردد في تحصين ابنه اذا كان قادرا على ذلك.
وكذلك نكتشف أن كثيرا من الأبناء أيضا على خطأ حينما يرفضون الزواج بنفس الحجة فترى البعض منهم يقول أنه يخاف على مستقبله الدراسي وما شابه ذلك من التعللات، مع أن الأمر بالعكس فانه لو تزوج الزوجة الصالحة فانه سيشعر بالاطمئنان والراحة في حياته وسيرى أن بجانبه من يعينه ويمده بالطاقة لمواصلة الطريق من حيث لايشعر.
قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الروم آية 21.
فالزواج سكن وراحة وكيان مقدس ملؤه المودة والرحمة، ولاينبغي أن نخادع أنفسنا بتعللات وأوهام لاتنسجم مع المنطق القرآني القويم.
واذا رأينا أن بعض الأشخاص المتزوجين وقعوا في مشاكل أو تأخروا في دراستهم فليس من الصحيح أن نفسر هذه المشكلة على أنها بسبب الزواج ، فكثيرون من غير المتزوجين أيضا تأخروا دراسياً وفشلوا، فكون بعض المتزوجين لم يشكر الله على نعمة الزواج ولم يحسن الاستفادة من أجواء الزواج لمواصلة طريقه لايعني هذا أن المشكلة في الزواج، بل المشكلة في سوء الاستفادة من هذه النعمة وعدم الوعي الكافي في التعايش مع أجواء عش الزوجية.
ثم إن الأمر يزداد خطورة وتعقيداً بالنسبة للمبتعثين الى الخارج -خصوصا الى بلدان الكفر- للدراسة أو العمل، وتكون المسؤولية تجاههم أعظم وأكبر، لأنهم سيواجهون أمامهم مجتمعا آخر غير المجتمع المتدين الذي نشؤوا فيه، سيرون أمامهم المغريات منتشرة في كل مكان في السكن وفي الشارع وفي محل العمل أو الدراسة وفي السيارة، وغير ذلك، حيث أن السفور منتشر في كل مكان بلا رقيب ولاحسيب في البلدان الأجنبية.
فعلينا الانتباه والتفكير في هذه المسألة من كل الجوانب، وتحصين أنفسنا وفلذات أكبادنا وأخذ الأمر بجدية، فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته.
وقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } سورة التحريم آية 6.
والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق