بما أن الكفاءة هي المعيار لتحمل المسؤولية، لذا فان الشاب الكفوء يمكن الاعتماد عليه في تحمل المسؤوليات الكبيرة، كل بحسب ماعنده من موهبة ومهارة...
وإليك عدة نماذج لأشخاص شباب أصحاب كفاءات أهلتهم لتحمل أعباء المسؤولية:
النموذج الأول:
مصعب ابن عمير الشاب الفتي الذي وقع عليه اختيار النبي (ص) ليكون مبعوثه الى اهل المدينة في مهمة خطيرة وهي تبليغ ونشر الاسلام، وسبب اختياره هو اخلاصه وكفاءته حيث تعلم من القرآن كثيرا...
ففي بحار الانوار في رواية طويلة: "....فقال رسول الله لمصعب بن عمير، وكان فتى حدثا مترفا بين أبويه يكرمانه ويفضلانه على أولادهم ولم يخرج من مكة ، فلما أسلم جفاه أبواه ، وكان مع رسول الله في الشعب حتى تغير وأصابه الجهد ، وأمره رسول الله بالخروج مع أسعد، وقد كان تعلم من القرآن كثيرا، فخرجا إلى المدينة ومعهما مصعب بن عمير فقدموا على قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله وخبره ، فأجاب من كل بطن الرجل والرجلان ، وكان مصعب نازلا على أسعد بن زرارة ، وكان يخرج في كل يوم فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاسلام فيجيبه الاحداث...".
راجع بحار الأنوار ج19 ص10.
النموذج الثاني:
هشام ابن الحكم الشاب الفتي الذي أمره الإمام الصادق (ع) بأن يمارس الحوار فيما يتعلق بالأمور العقائدية الكلامية.
ففي رواية طويلة في الكافي الشريف عن يونس بن يعقوب أنه كان أبو عبد الله عليه السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة، قال: فأخرج أبو عبد الله رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة، قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له.
قال: فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو أكبر سنا منه، قال: فوسع له أبو عبد الله عليه السلام وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده....
ثم ذكر الراوي حواراً جرى بين عدة من أصحاب الإمام الصادق (ع) وبين رجل من أهل الشام بحضور الإمام الصادق (ع)، وبعد انتهاء الحوارات قام الإمام (ع) بتقييم أصحابه، ولكن هشام ابن الحكم الذي كان أصغر المتحاورين سناً كان صاحب أفضل تقييم من بينهم، وقد نال إعجاب الإمام (ع)، لذا لم يكتف الإمام (ع) بتقييمه وإبداء الإعجاب به، بل إضافة إلى ذلك أمره بمواصلة الطريق في الحوار، لأنه كان مؤهلا بحق للحوار... حيث قال (ع) له: يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت، مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها إن شاء الله.
راجع الكافي ج1 ص173.
النموذج الثالث:
أسامة بن زيد الذي كان شاباً فتياً -لم يتجاوز العشرين عاما كما يستفاد من بعض النقولات التاريخية- ومع ذلك جعله النبي (ص) قائدا على الجيش الذي أعده لغزو الروم، علماً أنه يوجد في الجيش كبار الصحابة، ومع ذلك جعله قائداً وأميراً عليهم...
يقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لما مرض رسول الله (ص) مرض الموت، دعا أسامة بن زيد بن حارثة، فقال: سر إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، وإن أظفرك الله بالعدو، فاقلل اللبث، وبث العيون، وقدم الطلائع، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا كان في ذلك الجيش، منهم أبو بكر وعمر، فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والأنصار!
فغضب رسول الله (ص) لما سمع ذلك، وخرج عاصبا رأسه، فصعد المنبر وعليه قطيفة فقال: "أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ! لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقا بالأمارة، وابنه من بعده لخليق بها، وإنهما لمن أحب الناس إلى، فاستوصوا به خيرا، فإنه من خياركم".
شرح نهج البلاغة ج1 ص159.
النموذج الرابع:
عتاب بن أسيد الذي كان شابا حدث السن، حيث أنه كما في بحار الأنوار: لما صار فتح مكة أمّر الرسول (ص) على مكة عتاب بن أسيد ، فلما اتصل بهم خبره قالوا : إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثمانية عشر سنة ، ونحن مشايخ ذوي الأسنان وجيران حرم الله الامن ، وخير بقعة على وجه الأرض .
وكتب رسول الله صلى الله عليه وآله لعتاب بن أسيد عهدا على مكة جاء فيه :
ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه ، فليس الأكبر هو الأفضل ، بل الأفضل هو الأكبر ، وهو الأكبر في موالاتنا وموالاة أوليائنا ، ومعاداة أعدائنا ، فلذلك جعلناه الأمير عليكم ، والرئيس عليكم ..
(بحار الأنوار ج21 ص123)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق