النموذج الأول :
"الإمام زين العابدين عليه السلام"
يقول الأصمعي : كنت أطوف حول الكعبة في ليلة مقمرة ، فسمعت صوتا حنونا لرجل يناجي ربه . بحثت عن صاحبه وإذا به شاب جميل رشيق القامة يبدو
عليه الطيب . وقد تعلق بأستار الكعبة ، وكان يقول في مناجاته :
يا سيدي ومولاي ، نامت العيون وغابت النجوم ، وأنت ملك حي قيوم ، لا
تأخذك سنة ولا نوم ، غلقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حراسها وحجابها ، وقد
خلا كل حبيب بحبيبه ، وبابك مفتوح للسائلين ، فها أنا سائلك ببابك مذنب فقير ،
خاطئ مسكين ، جئتك أرجو رحمتك يا رحيم ، وأن تنظر إلي بلطفك يا كريم !
ثم أنشد :
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم * يا كاشف الكرب والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا * وعين جودك يا قيوم لم تنم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سرف * فمن يجود على العاصين بالنعم
هب لي بجودك فضل العفو عن سرف * يا من أشار إليه الخلق في الحرم
ثم رفع رأسه إلى السماء وناجى :
إلهي سيدي ومولاي ! إن أطعتك بعلمي ومعرفتي فلك الحمد والمنة علي ،
وإن عصيتك بجهلي فلك الحجة علي .
ورفع رأسه ثانية إلى السماء مناجيا بأعلى صوته : يا إلهي وسيدي ومولاي ،
ما طابت الدنيا إلا بذكرك ، وما طابت العقبى إلا بعفوك ، وما طابت الأيام إلا
بطاعتك ، وما طابت القلوب إلا بمحبتك ، وما طاب النعيم إلا بمغفرتك .
يضيف الأصمعي أن هذا الشاب واصل مناجاة ربه حتى أغمي عليه ، فدنوت
منه وتأملت في محياه فإذا هو علي بن الحسين زين العابدين ، فأخذت رأسه في
حجري وبكيت له كثيرا ، فأعادته إلى وعيه قطرات دمع سكبت على وجنتيه ، فتح
عينيه وقال : من الذي شغلني عن ذكر مولاي ؟ قلت : إنك من بيت النبوة ومعدن
الرسالة . ألم تنزل فيكم آية التطهير ؟ ألم يقل الله فيكم : إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
نهض الإمام السجاد وقال : يا أصمعي ! هيهات هيهات ! خلق الله الجنة لمن
أطاع وأحسن ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا .
ألم تقرأ القرآن ؟ ألم تسمع كلام الله : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ
ولا يتساءلون .
يقول الأصمعي : عندما وجدته على هذا الحال ، تركته ومضيت لسبيلي.
المصدر: كتاب الأمثل 10 ص521-522.
-
النموذج الثاني :
" شابة التقى بها الأصمعي في الصحراء "
قال الأصمعي: كنت أرافق المأمون في قافلة صيد ترفيهية، وفي أثناء المسير أضعت القافلة لأرى نفسي وحيداً في صحراء قاحلة، وبعد مسيرة تحمّلية شاهدت من بعيد خيمة تلوح في الأفق فتحركت صوبها لأجد فيها امرأة شابة جميلة فسلمت عليها، وجلست في ظل خيمتها وقلت لها: هل لي شربة ماء؟ فتغيّر لونها وقالت: لم اكتسب إذناً من زوجي في مثل هذا الأمر، وإن كان لك أن تشرب شيئاً فهذا غدائي أقدّمه لك وهو ضياح من لبن.
يقول الأصمعي: شربتُ اللبن وجلست في ظل الخيمة ساعة، بعدها شاهدت فارساً على جمل، فقامت المرأة من جلستها وحملت بيدها قليلاً من الماء وكأني بها تنتظر ذلك الفارس.
نعم، وصل الفارس إلى الخيمة وكان زوجها، فقدمت له الماء ليشرب ثم نزل من جمله وإذا به رجل عجوز، أسود الشكل قبيح، لا يُطاق منظره، سيء الخلق والأخلاق، فهمّت المرأة نفسها وجاءته بطبق وإبريق لتغسل له يديه ورجليه ووجهه.
بدأ زوجها بالتحجج، وإثارة ما لا يثيره العاقل الفطن، حيث كان يسيء مخاطبتها، وتتلطف له بالردّ، ولسوء خلقه لم أتحمل الجلوس في ظل خيمته بل فضلت الجلوس في الشمس المحرقة بعيداً، على أن أجلس إلى خيمته واستمع إلى سوء أدبه.
وما إن تحركت حتى قامت امرأته لتوديعي، حيث لم يكن هو مهتماً لهذا الموضوع بالمرة، وعندما دنت المرأة مني قلت لها.
أيها المرأة، إنك شابة جميلة، فلِمَ ارتباطك بهذا الشيخ العجوز الذي لا يمتلك من حطام الدنيا إلاَّ أخلاقاً سيئة وجملاً هزيلاً، بالإضافة إلى شكله القبيح؟!.
فأجابت بعد أن بان عليها الامتعاض: أيها الرجل أتريد الإيقاع بيني وبينه، ألا تعلم بأن الدنيا زائلة والآخرة دائمة، وإنني بعملي هذا أروم رضا الله تعالى، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله:
"الإيمان نصفان: نصف في الصبر، ونصف في الشكر".
وإن تحمّلي لسوء خلقه يصل بي إلى درجات الصبر الساميات، وعليه يجب أن أشكر الباري تعالى على هذه النعمة، فنعمة الصبر تحتاج إلى شكر، لذا سأديم خدمتي لزوجي حتى يكتمل إيماني.
??المصدر: (كتاب الأخلاق البيتية لآية الله مظاهري ص194-196).?
-
النموذج الثالث :
"عبد الرحمن بن سيابة"
عن عبد الرحمن ابن سيابة قال: لما هلك أبي سيابة جاء رجل من إخوانه إلي فضرب الباب علي فخرجت إليه فعزاني، وقال لي: هل ترك أبوك شيئا؟ فقلت له: لا، فدفع إلي كيسا فيه ألف درهم وقال لي: أحسن حفظها وكل فضلها، فدخلت إلى أمي وأنا فرح فأخبرتها فلما كان بالعشي أتيت صديقا كان لأبي فاشترى لي بضايع سابري وجلست في حانوت فرزق الله عز وجل فيها خيرا كثيرا وحضر الحج فوقع في قلبي فجئت إلى أمي وقلت لها: أنها قد وقع في قلبي أن أخرج إلى مكة فقالت لي: فرد دراهم فلان عليه فهاتها وجئت بها إليه فدفعتها إليه فكأني وهبتها له فقال: لعلك استقللتها فأزيدك؟ قلت: لا ولكن قد وقع في قلبي الحج فأحببت أن يكون شيئك عندك ثم خرجت فقضيت نسكي، ثم رجعت إلى المدينة فدخلت مع الناس على أبي عبد الله (عليه السلام) وكان يأذن إذنا عاما فجلست في مواخير الناس وكنت حدثا [أي شابا] فأخذ الناس يسألونه ويجيبهم فلما خف الناس عنه أشار إلي فدنوت إليه فقال لي: ألك حاجة؟ فقلت: جعلت فداك أنا عبد الرحمن بن سيابة، فقال لي: ما فعل أبوك؟ فقلت: هلك، قال: فتوجع وترحم، قال: ثم قال لي: أفترك شيئا؟ قلت: لا، قال: فمن أين حججت قال: فابتدأت فحدثته بقصة الرجل قال: فما تركني أفرغ منها حتى قال لي: فما فعلت في الألف؟ قال: قلت: رددتها على صاحبها، قال: فقال لي: قد أحسنت، وقال لي: ألا أوصيك؟ قلت: بلى جعلت فداك، فقال: عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك الناس في أموالهم هكذا - وجمع بين أصابعه - قال: فحفظت ذلك عنه فزكيت ثلاثمائة ألف درهم[أي صرت متمولا حتى وجبت علي الزكاة فأخرجت الزكاة].
الكافي ج5 134.
-
النموذج الرابع:
" حَارِثَة بْن مَالِكِ بْن النُّعْمَانِ الأَنْصَارِي "
روى الشيخ الكليني رحمه الله في كتابه الكافي رواية تتحدث عن هذا الشاب المتميز في درجة اليقين التي وصل إليها، وإليك نص الرواية :
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه جَمِيعاً عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَابِشِيِّ وإِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع يَقُولُ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي الْمَسْجِدِ وهُوَ يَخْفِقُ ويَهْوِي بِرَأْسِه مُصْفَرّاً لَوْنُه قَدْ نَحِفَ جِسْمُه وغَارَتْ عَيْنَاه فِي رَأْسِه فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه ص كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلَانُ؟
قَالَ: أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مُوقِناً.
فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّه ص مِنْ قَوْلِه وقَالَ: إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟
فَقَالَ: إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اللَّه هُوَ الَّذِي أَحْزَنَنِي وأَسْهَرَ لَيْلِي وأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ وحُشِرَ الْخَلَائِقُ لِذَلِكَ وأَنَا فِيهِمْ وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي الْجَنَّةِ ويَتَعَارَفُونَ وعَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ وهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ مُصْطَرِخُونَ وكَأَنِّي الآنَ أَسْمَعُ زَفِيرَ النَّارِ يَدُورُ فِي مَسَامِعِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّه ص لأَصْحَابِه: هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّه قَلْبَه بِالإِيمَانِ.
ثُمَّ قَالَ لَه: الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْه.
فَقَالَ الشَّابُّ: ادْعُ اللَّه لِي يَا رَسُولَ اللَّه أَنْ أُرْزَقَ الشَّهَادَةَ مَعَكَ.
فَدَعَا لَه رَسُولُ اللَّه ص، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ ص فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ.
المصدر : ( الكافي ج2 ص53) .
والقرينة على أن هذا الشاب الذي تحدثت عنه هذه الرواية هو حارثة الأنصاري هو الرواية التالية :
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّه ص حَارِثَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَه كَيْفَ أَنْتَ يَا حَارِثَةَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه مُؤْمِنٌ حَقّاً فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه ص لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرَتْ لَيْلِي وأَظْمَأَتْ هَوَاجِرِي وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي - [ وَ ] قَدْ وُضِعَ لِلْحِسَابِ وكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ وكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ فَقَالَ لَه رَسُولُ اللَّه ص عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّه قَلْبَه أَبْصَرْتَ فَاثْبُتْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه ادْعُ اللَّه لِي أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَقَالَ : اللَّهُمَّ ارْزُقْ حَارِثَةَ الشَّهَادَةَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّاماً حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللَّه ص سَرِيَّةً - فَبَعَثَه فِيهَا فَقَاتَلَ فَقَتَلَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ قُتِلَ. (وفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ اسْتُشْهِدَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ) ( الكافي ج2 ص54).
-
النموذج الخامس والسادس :
"عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد"
أولا الأب: (عثمان بن سعيد العمري):
ان هذا الرجل ينبغي أن يكون غنيا عن التعريف، فهو السفير الأول من السفراء الأربعة للإمام الحجة (عج) الذين كانوا هم الواسطة بين الإمام (عج) وبين الشيعة في عصر الغيبة الصغرى.
لكن المميز في هذا الرجل العظيم أنه منذ شبابه بل وقبل سن البلوغ -حسب النقل التاريخي- كان ملاصقا للأئمة (ع) مما يعكس شدة تعلقه واخلاصه وولائه لأهل البيت (ع) لذا صار محلا للثقة ومأتمناً على الأسرار.
والذي نستنتجه مما كتبه بعض علماء الرجال حوله أنه عاصر ثلاثة من الأئمة (ع) -الهادي والعسكري والحجة عليهم السلام- وبذل نفسه في خدمتهم (ع)، وسنرى فيما سننقله بعد قليل عن الشيخ الطوسي كيف أن الإمام الهادي (ع) عهد اليه بعهد معروف، وأن الإمام العسكري (ع) جعله وكيلا له، ثم أنه من المعلوم أنه بعد وفاة الإمام العسكري (ع) صار وكيلا وسفيرا للإمام الحجة (عج).
ذكره شيخ الطائفة الطوسي (رحمه الله) في كتابه رجال الطوسي ص389 ضمن أصحاب الإمام الهادي (ع) وقال في حقه ما نصه:
(عثمان بن سعيد العمري، يكنى أبا عمرو السمان، ويقال له الزيات، خدمه (أي خدم الامام الهادي) عليه السلام وله إحدى عشرة سنة، وله اليه عهد معروف).
لنتأمل!! شخص بعمر إحدى عشرة سنة يقوم بخدمة الإمام الهادي (ع)، والإمام (ع) يعهد إليه بعهد قد يكون عهده إليه وهو في هذا العمر وقد يكون بعده، الا أن هذا دليل على عظمة هذا الشاب الفتي!
ثم أن الشيخ الطوسي بعد ذلك ذكره أيضاً ضمن أصحاب الإمام العسكري (ع) -ص401 من نفس الكتاب- وقال في حقه مانصه: (عثمان بن سعيد العمري الزيات، ويقال له السمان، يكنى أبا عمرو، جليل القدر ثقة، وكيله عليه السلام (أي وكيل الإمام العسكري (ع) ).
والروايات في مدحه وجلالته متظافرة، وقد وثقه وزكاه اثنان من الأئمة (ع) وهما الهادي والعسكري عليهما السلام.
يروي الشيخ الطوسي -في كتاب الغيبة ص354- عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمي أنه قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت ، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه .
فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه.
لله در هذه الشخصية العظيمة، فلم يكتف الإمام المعصوم (ع) بالقول عنه بأنه ثقة، بل نرى الإمام العسكري (ع) يقول عنه أنه ثقة الماضي -أي كان ثقة الإمام الهادي (ع) قبل وفاته- وأنه ثقته هو -الامام العسكري (ع)- أيضاً في حياته وبعد مماته!! يعني الإمام يريد أن يقول بأن هذا الرجل كان ثقة وهو فعلا ثقة وسيبقى ثقة ولن ينحرف!!.
وبالفعل بقي ثقة كما أخبر العسكري (ع)، وصار وكيلا وسفيرا للإمام الحجة (ع).
ثانياً الإبن (محمد بن عثمان):
ليس فقط عثمان بن سعيد بهذه المنزلة العظيمة وجلالة القدر، بل إن إبنه محمدا أيضا ممن عرف بالوثاقة والأمانة وجلالة القدر حتى صار بعد أبيه السفير الثاني للإمام الحجة (عج) وهذا بالطبع يزيدنا إعجاباً بشخصية عثمان الإيمانية والفذة التي انعكست على ابنه محمد وجعلته مؤهلا للسفارة كأبيه.
ومحمد كأبيه عثمان كان منذ شبابه يتمتع بالوثاقة وبقية المؤهلات من الأمانة وعظم المنزلة، ويشهد على هذا الشيء:
ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ج1 ص330 عن أحمد ابن اسحق أبي علي أنه سأل أبا محمد الحسن ابن علي العسكري عليه السلام عن من أعامل أو عمن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال عليه السلام له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان.
والمراد بالعمري وابنه في الرواية هو عثمان بن سعيد وابنه محمد.
والذي جعلنا نستشهد بهذه الرواية على كون محمد كأبيه عثمان منذ شبابه يتمتع بالوثاقة هو التحليل التالي:
أننا عرفنا سابقا أن الأب وهو عثمان خدم الامام الهادي (ع) في عمر الاحدى عشرة سنة ثم بعد مدة من الزمن بعد وفاة الإمام الهادي (ع) أي في زمن إمامة الإمام العسكري (ع) صار وكيلا للإمام العسكري (ع)، وهو في هذا الوقت -وقت إمامة الإمام العسكري (ع)- يقدر عمره ب 31 سنة، لأن مدة تواجد الإمام الهادي (ع) في العراق كانت 20 سنة وبعدها استشهد وصار الأمر إلى الإمام العسكري (ع)،
فلو ضممنا هذه العشرين سنة وهي مدة وجود الإمام الهادي (ع) في العراق إلى الاحدى عشرة سنة التي كانت هي عمر عثمان وقت ما تشرف بخدمة الإمام الهادي (ع) لكان المجموع 31 سنة،
وإذا كان هذا عمره فمن الطبيعي أن يكون ابنه محمد حينها شابا صغيرا، لأننا لو فرضناه تزوج مبكرا في عمر خمسة عشر سنة مثلا وفرضنا أنه تم انجاب ابنه محمد بعد الزواج بدون فاصل طويل، فانه سيكون عمر محمد في حدود 15 سنة وقت ماكان أبيه عمره 31 سنة،
وهذا هو الذي جعلنا نستنتج أن محمدا كان شابا وقت إمامة الإمام العسكري (ع)، فالامام (ع) حينما وثق عثمان العمري وابنه محمد بقوله (العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان) كان عمر محمد:
إما في حدود ال 15 سنة لو فرضنا أن هذا الكلام صدر من الإمام (ع) في أول ما صار الأمر إليه (ع) بعد استشهاد أبيه الهادي (ع)،
وإما أن عمره في حدود 21 سنة -حينما صدر التوثيق في حقه وحق أبيه- لو فرضنا أن التوثيق صدر من الإمام (ع) في آخر أيام إمامته التي لم تستمر أكثر من ست سنوات،
وعلى كل حال فعمر محمد بن عثمان وقت صدور التوثيق من الإمام في حقه يتراوح مابين ال 15 وال 21 تقريبا، فهو على كل التقادير شاب يافع وقد حظى بشهادة الإمام المعصوم (ع) له بالوثاقة والأمانة،
وكفى له فخرا أن يعظم بهذا الاعظام ويقدر بهذا التقدير من الإمام المعصوم (ع) وهو في هذا العمر، ويزيده إعظاما وإجلالا أن صار سفيرا ثانياً للإمام الحجة (ع) بعد وفاة أبيه عثمان وهو لايزال حينها فتى شاب في مقتبل العمر أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق