بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع الجنس موضوع في غاية الأهمية ...
وفي نفس الوقت حساس جداً ...
خصوصاً إذا اجتمع الأمران معاً "الشباب والجنس" ..
فإن الأمر يصبح أكثر تعقيداً ....
والمسؤولية تصبح أكبر ...
وسأكون غير منصف ان ادعيت أنني أستطيع في هذه العجالة تناول هذا الموضوع بكل تشعباته ومن جميع النواحي ...
لكن ما لايدرك كله لا يترك كله ...
فتمعن معي هذه السطور لتقف على شيء مما يهمك في هذه المسألة في عدة نقاط :
* الجنس غريزة فطرية لكن اشباعها كيف؟؟
خلقنا الله تعالى وخلق فينا القوى الغريزية ومنها الغريزة الجنسية ..
فالغريزة الجنسية شيء طبيعي وفطري ولا يستطيع أحد انكار هذا الأمر ..
لكن هذا لا يعني أن لنا الحق في اشباع هذه الغريزة بأي وجه كان !!
وبالطريقة التي تهوى أنفسنا !!
فمثلاً من الغرائز حب الطعام فهل لنا الحق في أن نسرق الطعام من الآخرين لنشبع هذه الغريزة ؟؟
وهل لنا الحق في أن نترك الصوم الواجب في شهر رمضان لكي نلبي نداء هذه الغريزة ؟؟!!
كلا وألف كلا ... بل علينا أن نوفر الطعام بالكد الحلال، وأن نأكله في الوقت المسموح به ...
وهكذا بقية الغرائز ليس لنا الحق في أن نطلق لها العنان لكي تسرح وتمرح ...
فالله جلت عظمته في الوقت الذي أودع فينا هذه الغرائز أودع فينا أيضاً عقولاً وجعل فيها قدرة التحكم في هذه الغرائز وإدارتها، وأراد أن يبتلينا ويختبرنا في هذه الدنيا، ويرى هل نستجيب لندائه أم نستجيب لنداء هذه الغرائز ؟؟
ففي نهار شهر رمضان الكريم مثلاً ترى نفسك تتجاذب بين نداءين :
الأول : نداء الواحد القهار (كتب عليكم الصيام).
الثاني : نداء الغرائز والشهوات.
فان أحسنت التصرف وقدّمت نداء الله عز وجل على نداء الشهوات فقد نجحت في هذا الاختبار ..
وان أسأت التصرف واستجبت لنداء الغرائز والشهوات فقد سقطت في هذا الاختبار ..
إذن :
علينا نحن معاشر الشباب بالخصوص أن ننتبه لهذه الغريزة جيداً، فقد ورد في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان : البطن والفرج . !!
ولا عجب من هذا الحديث فغريزة الجنس من أخطر الغرائز وهي تكون في فترة الشباب ملتهبة ومشتعلة خصوصاً إذا كان الشاب في محيط مليء بالاغراءات والمهيجات فان الأمر يزداد تعقيداً ويكون الاختبار أكثر صعوبة ..
وفي مثل هذه الظروف تشتد حاجة الشاب إلى تعلم الطرق والأساليب التي يتغلب بها على نار هذه الشهوة الملتهبة، حتى يكون من مصاديق المؤمنين الحافظين لفروجهم، الذين مدحهم الله في كتابه في قوله تعالى في سورة "المؤمنون" :
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {المؤمنون/5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المؤمنون/6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون/7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {المؤمنون/8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {المؤمنون/9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {المؤمنون/10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون/11} ...
هذه الآية الكريمة تأمرنا بحفظ فروجنا وأن لا نشبع هذه الغريزة إلا بالزواج أو بما ملكت يميننا (حيث كان في الزمن السابق يوجد إماء يتم بيعهن في الأسواق وبامكان كل شخص شراء الأمة التي يريدها فيتملكها ويجوز له ممارسة الجنس معها وتفصيل هذا الأمر في كتب الفقه)...
فمن أشبع غريزته بطرق غير مشروعة ولم يحفظ فرجه كما أمره الله فهو من العادين الذين تعدوا على حدود الله {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}..
* خطوات للتغلب على نار الشهوة الجنسية :
والآن بعد هذا الكلام المختصر حول غريزة الجنس، سأنقل كلاماً للإمام السجاد عليه السلام من رسالة الحقوق يفيدنا هذا الكلام في التعرف على أهم الخطوات التي تساعدنا على التغلب على نار هذه الشهوة :
قال عليه السلام كما في رسالة الحقوق (وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك، والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الأعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوة إلا به...).
واستنتاجا من كلامه عليه السلام نستطيع القول أن من أهم الطرق الوقائية التي تحجب الإنسان عن الانحراف التالي:
(أ) غض البصر عن المحارم فإن النظر هو العامل الأول للوقوع في الحرام، وقد عبر عنه في بعض الأخبار بزنى العين.
قال تعالى : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور/30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... }
فهنا نلاحظ أنه تعالى أمر بغض البصر أولا ثم أمر بحفظ الفرج، وهذا يبين لنا بوضوح قوة الارتباط بين غض البصر وحفظ الفرج ..
ونحن للأسف غافلون عن هذه الأمور كل الغفلة مع شدة خطورتها، فترانا ندع أبناءنا يسهرون الليالي تحت شاشات التلفزيون وزيادة على ذلك الآن الطامة الكبرى مواقع الانترنت التي أبيحت فيها جميع الحرمات والتى لم يبق فيها للستر ولا للحياء معنى فنترك أبناءنا يقضون الساعات الطوال ويأخذون الدروس تلو الدروس من شرق الأرض وغربها، ولا نحرك ساكناً!!!! حتى كأننا لم نسمع بقوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} !!!
(ب) الإكثار من ذكر الموت فإنه يقضي على هيجان الشهوة الجنسية.
فالانسان اذا لقن نفسه أن هذه الغريزة لن تدوم طويلاً بل هو أيضاً لن يبق في هذه الحياة طويلا، سيستطيع أن يكبح جماح هذه الغريزة، بخلاف ما اذا انخدع بظاهر قوته ونشاطه حتى كأنه سيبقى هكذا الى الأبد فإن المعادلة ستختلف ..
قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة : وَ أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَ إِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ وَ كَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ وَ طَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ وَ أُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً وَ كَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً ... الخ .
(ج) تهديد النفس بالله العظيم، والتخويف من عقابه.
ويفيد في هذه الخطوة أن يتفكر الشاب في العقاب الدنيوي والعقاب الأخروي الذي ينتظر أصحاب الانحرافات الجنسية بأنواعها ..
فمثلا: الزاني عقابه في الدنيا الجلد إن لم يكن محصناً والرجم ان كان محصناً وفي الآخرة يضاعف له العذاب، قال تعالى:
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {الفرقان/68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {الفرقان/69}.
وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : في الزنا خمس خصال : يذهب بماء الوجه ويورث الفقر وينقص العمر ويسخط الرحمن ويخلد في النار نعوذ بالله من النار . -الكافي ج5 ص542-
ومثلا: يعاقب فاعل اللواط في الدنيا بالقتل إذا كان محصناً إما ضرباً بالسيف أو رجماً بالحجارة أو الاحراق بالنار أو يدحرج من جبل ونحوه مشدود اليدين والرجلين والحاكم الشرعي الجامع للشرائط هو الذي ينتخب أحد هذه الأمور، وأما عذابه في الآخرة فشديد، أكتفي بنقل هذه الرواية حول ذلك، فقد روي عنه (ص) قوله :
"من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا ، ثم قال : إن الذكر ليركب الذكر فيهتز العرش لذلك وإن الرجل ليؤتي في حقبه فيحبسه الله على جسر جهنم حتى يفرغ من حساب الخلائق ، ثم يؤمر به إلى جهنم فيعذب بطبقاتها طبقة طبقة حتى يرد إلى أسفلها ولا يخرج منها" -الكافي ج5 544-
ومثلا: تعاقب فاعلة السحاق في الدنيا بالجلد، بل بعض الفقهاء ذكر أن عقابها الرجم إذا كانت محصنة وأما الجلد فهو عقاب غير المحصنة، وأما في الآخرة فعذابها شديد جداً فعن بشير النبال قال : رأيت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) رجلا فقال له : جعلت فداك ما تقول في اللواتي مع اللواتي ؟ فقال له : لا أخبرك حتى تحلف لتخبرن بما أحدثك به النساء قال : فحلف له ، قال : فقال : هما في النار وعليهما سبعون حلة من نار فوق تلك الحلل جلد جاف غليظ من نار ، عليهما نطاقان من نار وتاجان من نار فوق تلك الحلل وخفان من نار وهما في النار .-الكافي ج5 ص552-
ومثلا: الاستمناء أو ما يسمى بالعادة السرية يستحق فاعله في الدنيا التعزير لأنه فعل محرما بل كبيرة من الكبائر على ما نص عليه بعض الفقهاء الكبار ، وأما في الآخرة فتعرف عقابه من قول الصادق عليه السلام في رواية : ( ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره)- وسائل الشيعة ج2 ص131- والناكح نفسه هو الشخص الذي يخرج المني من نفسه.
* ملاحظة : للمسائل المذكورة تفاصيل مذكورة في كتب الفقه فراجعها ان شئت، كذلك لابد من الانتباه إلى أنه لاتجرى هذه الحدود إلا بعد ثبوت الانحراف بالشهود العدول أو باعتراف نفس الشخص، وأما كم عدد الشهود المطلوبين وكم عدد مرات الاعتراف المطلوبة ... فهذا ماتجده مفصلا في كتب الفقه.
* تشريعات إسلامية عملية وصارمة لو التزم بها المجتمع لتحصن شبابنا من الانحراف:
لأجل المنع من الوقوع في الانحرافات الجنسية بجميع انواعها اتخذ الاسلام عدة خطوات عملية في هذا المجال:
1- أمر النساء بالحجاب .
2- أمر بغض النظر عن الاجنبي والاجنبية .
3- منع من الخلوة بالاجنبية مع خوف الوقوع في المحرم .
4- منع من النظر الى الاولاد بشهوة .
5- منع من تقبيل الاولاد بشهوة .
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من قبل غلاما من شهوة ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .
6- منع من النوم على فراش واحد والشخصان عاريان .
عن أبي جعفر ( عليه السلام ) « قال : كان علي ( عليه السلام ) إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة ، كلّ واحد منهما ، وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة »
7- شجع بكل قوة وتأكيد على الزواج المبكر، وعلى إشباع الغريزة بالحلال مع الزوجة.
عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال : " النكاح من سنتي ، فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي " مستدرك الوسائل ج14 ص153 .
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب . -الكافي ج5 ص328-
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته . -الكافي ج5 ص336-
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رذال موتاكم العزاب. -الكافي ج5 ص328-
8- أمر من لا يستطيع الزواج بالصبر .
قال تعالى : « وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» النور / 32 - 33 .
قال الفيض الكاشاني تعليقاً على هذه الآية :
«الأَيامى» جمع أيم ، وأصلها أيائم ، قلبت كاليتامى ، والأيم التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ، وكذلك الرجل والخطاب للأولياء والسادات ، «إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ» أي لا تجعلوا الفقر مانعا من النكاح سابقا كان أو لاحقا ، «وَلْيَسْتَعْفِفِ» المشهور في تفسيرها ليجتهدوا في قمع الشهوة وطلب العفة بالرياضة لتسكين شهوتهم كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم « يا معشر الشبان من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء » ... الخ .
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ الَّذِي مَعَهَا مِثْلُ الَّذِي مَعَ تِلْكَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ فَمَا يَصْنَعُ قَالَ فَلْيَرْفَعْ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ لْيُرَاقِبْهُ وَ لْيَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِهِ. الكافي (ط - الإسلامية) ج5، ص: 494.
-----------------------------------
* وفي نهاية المطاف أنصحك عزيزي الشاب بقراءة كتاب "الشباب ومشاكلهم الجنسية " لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي .
( تجد الكتاب في قسم المكتبة بهذه المدونة )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق